الصفحات

الاثنين، 23 مايو 2011

علي ناصر محمد رئيساً مدى الحياة ( 1 – 2 )





بريد الحراك الجنوبي


الملف الجنوبي - متابعات جنوبية من قبل :-


عبد الحافظ العفيف


بواسطة: ابو معتز القسيمي
بتاريخ : السبت 21-05-2011 10:02 مساء

شبكة الطيف - بقلم : اسكندر شاهر
ظنون وشجون الذاكرة
قبل سنوات عديدة وفي منزل المواطن اليمني الشمالي علي بن إبراهيم "سيف الحق" بدمشق التقيتُ وتعرفت شخصياً ولأول مرة بالمواطن اليمني الجنوبي علي ناصر محمد .. كنتُ مدعواً لمأدبة غداء وكانت على شرف الرئيس علي ناصر ( أبو جمال) ، الرجل حضر في موعده ولم يتأخر وهذه من طباعه المعروفة وعندما وصل تفضّل أحد الضيوف وعرّف بالحاضرين واحداً واحداً ، ونحن نتصافح مع ضيف الشرف ، كنتُ الوحيد الذي تم تعريفي بالكاتب والصحفي والباحث ، وبعد أن أتمّ الرجل السلام على الجميع التفت اتجاهي وبدأ يمطرني بالأسئلة .. لقد تقمص دور الصحفي في عملية ذكية وعرفتُ بعد ذلك بأنها من طباعه المحمودة أيضاً لتلمس ما لدى الناس واكتشاف شخصياتهم ، فيما أرجعتها في حينه إلى شخصية الرئيس السابق ووزير الدفاع الأسبق ، إذ ظننت أنه فضّل أتباع قاعدة الهجوم خير وسيلة للدفاع ، ولعل ذلك يجعلنا نستحضر الأحداث اللصيقة به والتي جعلته يغادر اليمن الجنوبي والمعروفة بأحداث يناير 86م ، فالرجل في مقام الحديث الخاص عن هذا الموضوع يستدعي كلمة لصديقه الحميم الرئيس الأثيوبي السابق مريام هيلا منجستو بأنه عندما تكون أيدي الخصوم السياسيين على الزناد لايهم من أطلق الطلقة الأولى ، ولعل هذه الكلمة تبدو واقعية جداً في معرض محاكمة تلك الأحداث والأزمة السياسية التي كان يعيشها الرفاق آنذاك وما كان من خلاف بين الأخوة الأعداء وهي الخصومة التي يحرص الرئيس علي ناصر دوماً على التأكيد بأنها لم تكن في جوهرها على كرسي السلطة بل على خيارات سياسية حساسة ومنها موضوع (الوحدة اليمنية) بين من كان يريدها بالقوة والصميل وبين من يريدها بالحوار الجميل ، وعلي ناصر كان مع هذا الخيار ، ليأتي بعد ذلك من خلفه بالسلطة ليحرق المراحل ويندفع نحو وحدة اندماجية غير مدروسة ودون ضمانات حقيقية ويخسر منصبه –بحسن نية- كقائد لدولة الجنوب ليصبح في غفلة من الحدث العظيم نائبا لرئيس سفاح ومجرب حرب يدعى علي عبد الله صالح عفاش الأحمر الملقب بـ"الدم" ، ثم لاجئاً في سلطنة عمان ، ولذلك أفضل القول في هذا المقام بأن علي ناصر محمد رجل محظوظ وعلي سالم البيض دوماً لا يحالفه الحظ ، وهنا أخص الجانب السياسي ولكني أجزم بأن الحظ لوحده لا يكفي في السياسة التي تُوصف بأنها "فن الممكن" ، كما إن العوامل الذاتية والموضوعية تفعل فعلها في تقرير مصير القادة ، الذي يرتبط وينعكس مباشرة وبالضرورة على مصير أوطانهم وشعوبهم .
المهم أن هذه المناسبة والمصادفة شكّلت البداية الجنينية لعلاقتي بهذا الرجل السياسي والقيادي، وشاءت الأقدار بعد سنوات من ذلك اللقاء أن أتشرف باتصاله بي شخصياً وليبلغني باختياره لي لأن أكون واحداً من أعضاء فريق عمله السياسي والإعلامي والبحثي من خلال المركز العربي للدراسات الاستراتيجية ، وكنت قد أنهيت لتوّي رسالتي الأكاديمية وحصلت على درجة الماجستير في الفلسفة .
قبل أن أتعرف على الرجل عن قرب وأعمل معه لثلاث سنوات متوالية هي السنوات الأخيرة من إقامتي بدمشق قبل رحيلي إلى الولايات المتحدة وهي فترة الذروة للحراك السلمي الجنوبي الذي كان مسكوناً به ، كنت قد قرأت عدة مقالات وكنت أحد الذين كتبوا عن الرجل الذي لم أكن أعرفه وكانت كتابات تُحاكم مواقفه السياسية فقط ولكني بعد أن اقتربت منه عرفت بأنه يستحق أكثر مما كُتب على نحو الإيجاب بحقه ، ولكني أحجمت عن فعل ذلك ، وأنا في هذا الموقع القريب إلا أنني الآن وبعد أن أصبحت وراء المحيطات يمكنني الحديث عن الرجل بأريحية وسأعترف بأني كنت في فترة عملي متمرداً ومشاغباً في بعض الأحيان وتعلمت من هذا القيادي الحكيم بعض الصبر وطول الأناة وسعة الأفق ، بل لن أكون مبالغاً لو قلت بأني تعلمت في الثلاث سنوات مالم يكن بوسعي تعلمه في الثلاثين السنة السابقة من عمري ، ومن المؤسف أن يكون إجمالي هذه السنوات هو 33 فترة حكم علي صالح عفاش الأحمر المخلوع قريباً بإذن الله .. لقد آن لي أن أعترف بأن مشاغباتي كانت بسبب مواقفي أو مناوشاتي الصحفية التي كانت تتعارض مع شبكة علاقاته الواسعة في الشمال والجنوب وربما في الشمال بشكل أخص ، ولكن الرجل كان يقول كلمة لايقولها إلا من يؤمن بقيمة الرأي والرأي الآخر حيث يرد على الشاكين والباكين على اختلاف أوزانهم بالقول : "كل واحد حر في رأيه" ، ومن المفارقات العجيبة هنا أن بعض الشاكين والباكين كانوا يدّعون المعارضة واليوم يدعون بأنهم ثوار ، وأنهم يطالبون بدولة مدنية ديمقراطية ومواطنة متساوية وفيهم من يستقوي بمشيخ مزعوم ويضيق من مقال رأي !!!.
السياسي الذي يردد دوماً مقولته الشهيرة : "غادرتُ السلطة ولم أغادر السياسة ، والسلطة ليست نهاية الحياة " أدركتُ في كل محطات مواقفه السياسية والعملية انه لم يغادر (السلطة) وليس السياسة فقط ، منذ العام 80 وحتى اليوم ، إنه يتعامل بمنطق الرئيس الحالي لا الرئيس السابق أو الأسبق ، ومن هنا تجد جُلّ مواقفه لا تنزع إلى الارتجال .. إنه يميل كل الميل إلى الخطوة المحسوبة ويميل أكثر إلى العملية الموثقة ، كل يوم يحضر علي ناصر قبلنا ويغادر مكتبه بعدنا ويأتي حاملاً كتاباً قرأه الليلة الماضية وأشار على صفحاته بالقلم الرصاص أو كتب ملاحظاته بورقة جانبية بقلم الحبر .. عندما يريد أن يناقشك بفكرة ما يدلك على كتاب أو يحمل وثيقة بيديه تدعم الفكرة .. أتذكر أن هذا السياسي الذي كان يأنس لكتابات النخب والأقلام الشمالية عن القضية الجنوبية وكذلك كتابات الكتاب العرب لأنه يجد في الأمر إضافة مهمة وقيمة خاصة ، أراد في إحدى المرات أن يناقشني عن الوحدة المصرية – السورية ربما كان في نفسه أن يحثني على الكتابة في تلك اللحظة عن إسقاطات تنطبق على مصير الوحدة اليمنية في ظل سلطة علي صالح ، ولكنه لم يوجه لي طلباً على الإطلاق، لم يأت الرجل خالي الوفاض بل كان قد أحضر معه عنوة كتاباً مهماً لمسؤول سوري بارز في تلك الحقبة أشبه بالمذكرات وسلمني إياه على أن اقرأه وكان قد كتب ملاحظاته وأشار إلى كافة أوجه الشبه في الأخطاء التي ارتكبت بواسطة سلطة 7 يوليو مع أخطاء المخابرات والأمن المصري في تلك الحقبة الأمر الذي دفع بعد ذلك الزعيم الراحل جمال عبد الناصر – وكما هو معروف - للاعتراف بالأخطاء وفض الوحدة وإعلان فشلها.. قرأتُ الكتاب وأعدته إليه بعد يومين وفي صباح اليوم الثالث حضر إلى المكتب ، سأل عني وابتسامة الرضا تعلو وجهه وقال: لقد قرأت مقالك في بعض مواقع الإنترنت ، "مقال موفق" على حد وصفه ، وكان المقال عن القضية الجنوبية بعنوان ( ارتباط الفك وفك الارتباط ) وهو من وحي ذلك الكتاب .. هذه الطريقة الطاردة للارتجال في شخصية الرجل تبدو في كثير من المواقف العملية الملموسة ، ولذلك لا غرابة أن يلتف حوله الأكاديميون من خلال المركز العربي للدراسات الاستراتيجية الذي أسسه العام 95م ويرأسه حتى الآن ، هذا الالتفاف له مايبرره ، فالرجل يؤكد بالممارسة لا بالتنظير على ضرورة توثيق المعلومة والاستناد إلى ما يدعمها علمياً ، وذلك أسلوب النظر العلمي البحثي الدقيق والمحكم المتبع في الجامعات والأكاديميات المعتبرة . في هذا الاتجاه على سبيل المثال لا الحصر وفي معرض مناقشته لاتهامات بعض المسؤولين الروس له بتحمل مسؤولية 86م يرد بالوثيقة لا بالارتجال . كذلك فعل مع أحد مستشاري الرئيس الأسبق غورباتشوف حين نشر علي ناصر وثيقة وصفها بالمهمة تدحض آراء ذلك المستشار السابق وحمّل الـ "كي جي بي" المخابرات السوفيتية مسؤولية تأجيج الصراع بينه وبين نائبه علي عنتر متجاهلاً أي خلاف مع عبد الفتاح إسماعيل، الأسلوب ذاته وأعني الرد المدعم بالوثائق تصدى له ناصر بنفسه لدحض طروحات رئيس حكومة روسيا السابق بريماكوف الذي كتب عن تجربة اليمن الديمقراطية ، كذلك فعل مع اتهامات السلطة اليمنية التي كانت تكيل له التهم وتهاجمه في صحفها الرسمية والحزبية بسبب مواقفه السياسية والإعلامية التي لم تتوقف منذ خروجه من اليمن وحتى اليوم ودون انقطاع . مواقف متعاظمة شكلت كرة ثلج تزداد اتساعاً حتى تحولت إلى بركان ثوري، الرجل يفضل الرد بالوثيقة وبالحجة ، وعندما يكون الاتهام أقل من أن تستخدم بوجهه وثيقة ، من قبيل التخرصات والشتائم ، فإنه يكتفي بكلمته في هذا المقام : (إذا كذبوا فلن يصدقهم أحد وإذا شتموا فلن يحترمهم أحد).
أولى الرئيس علي ناصر الدارسين والباحثين اهتماماً خاصاً ، لقد حضر في فترة وجودي في المركز عشرات الجلسات المنعقدة لمناقشة رسائل ماجستير و دكتوراه لباحثين يمنيين في الجامعات السورية ، أتذكر أنه في إحدى هذه الجلسات التي حضرتها وصل علي ناصر بعد مضي دقائق من افتتاح الجلسة ، وبدوره قام الأستاذ الدكتور المشرف رئيس لجنة التحكيم بالترحيب بصاحب الفخامة الرئيس علي ناصر محمد ، واستشهد بمقولة قديمة مأثورة "إذا رأيتم الملوك في أبواب العلماء فنعم الملوك ونعم العلماء ، وإذا رأيتم العلماء في أبواب الملوك فبئس العلماء وبئس الملوك" حينها ضجّت القاعة بالتصفيق لما للكلمة من دلالة في نفوس طلاب العلم ، ويمكن أن نلحظ بوضوح مسألة اهتمام علي ناصر بالتاريخ والتوثيق من خلال الاطلاع على كتابه القيم والمزود بالصور والوثائق ( الطريق إلى عدن ) ، كما أتذكر أن آخر كتاب وجّه بطباعته بحضوري في المركز كان يتحدث عن أول جمهورية في المنطقة العربية وهي ( جمهورية دثينة ) ، وهو الأمر الذي لم أكن أعرفه قبل قراءتي لهذا الكتاب الذي كتبه طالب جنوبي كرسالة ماجستير .
وُصف علي ناصر عدة مرات بأنه قائد شوفيني وهو يرد بالقول: ( أنا يمني .. عربي ، ويضيف أيضاً : أنا أممي ) وهو يؤكد بأنه لم يكن معادياً للاتحاد السوفيتي ويضيف في مقابلة متلفزة .. نحن كنا نريد لليمن الديمقراطية أن تكون على وفاق مع جيرانها وتحتفظ بعلاقاتها مع الاتحاد السوفيتي وتحتفظ بالمقابل بخصوصياتها الوطنية . من هنا كان للرجل الدور الأبرز في تطبيع العلاقة مع اليمن الشمالي والسعودية وعمان ، وتحسين العلاقة مع مصر ، ووقف نزيف الدم في المناطق الوسطى .
كنتُ إلى جوار الرئيس علي ناصر عندما طلبت قناة روسيا اليوم تصوير حلقات لبرنامج ( رحلة في الذاكرة ) ، ولأن البرنامج يتحدث عن التاريخ الرئاسي وتاريخ اليمن الديمقراطية وليس عن وقائع حاضرة مشوبة بالمنعطفات السياسية الراهنة التي لها حسابات متسارعة وشائكة ، وافق على الفور ، وقام بتوجيه مكتبه بالتعاون الكامل مع فريق العمل ، المخرجة الروسية والمذيع والمصور ، وزيارة المركز والاطلاع على بعض الوثائق ، في اليوم التالي حضر علي ناصر جاهزاً للتصوير في مكتبه بالمركز العربي ، كانت المخرجة تتطلع إلى وجهه بتهيّب كما لو كان رئيساً حالياً غير أن الرجل باشرها بكلمات ترحيب باللغة الروسية لايزال يحفظها عن ظهر قلب من كثرة ترديدها بحضرة بريجنيف وأندروبوف وتشرنينكو وسواهم ، وكانت كلمات الترحيب الروسية كفيلة بإذابة الجليد وانشرحت أسارير المخرجة وبدأت تتحرك بخفة وارتياح كالفراشة البيضاء .. في اليوم التالي كان التصوير في منزله الأنيق بضاحية من ضواحي دمشق ، حضرتُ رفقة فريق روسيا اليوم ، وكان الرجل على أتم الاستعداد في الصباح الباكر مستحضراً ذاكرته الحية وزياراته لموسكو والأحاديث التي جرت بينه وبين القادة السوفيات ، كنتُ أتابع الأمر و أتعلم أبجديات في هذا الجانب والدهشة حاضرة لسلاسة مجريات التصوير والتسجيل دون بروفات وإعادات ، وبالرغم من أنه كان يستدعي أحداثاً مضى عليها أكثر من ثلث قرن لكنه كان يصفها بدقة ويذكر التاريخ بما يحمل من دلالة محدداً توقيت الزيارة بالشهر على الأقل وسبب الزيارة ، لم يكن يقدم توصيفاً فقط بل تحليلاً وتفسيراً لما حصل سياسياً واقتصادياً وعسكرياً ، لذلك كان المذيع خالد الرشد في حالة من الارتياح الواضح لنجاح مهمته دون كوابح وبكل تلك الديناميكية .
إذا أخذنا حديث علي ناصر بعين الاعتبار فيما يخص أحداث يناير وأن صراع الرفاق كان على خيارات سياسية متباينة وأهمها مسألة الوحدة فإنه في هذه الحال سيُعد أكثر قائد يمني ارتبط تاريخه السياسي بالوحدة اليمنية ، إذ تكون مغادرته اليمن الجنوبي 86م بسبب الوحدة ، ومغادرته صنعاء 90م بسبب الوحدة ، ودور المحسوبين عليه في أزمة 93 وحرب 94م بسبب الوحدة ، وزيارته القصيرة لعدن وصنعاء العام 96م بسبب الوحدة ، وهندسته لمشروع التصالح والتسامح من جمعية ردفان والذي أفرز الحراك الجنوبي بسبب الوحدة ، ودعمه للثورة الشبابية اليمنية الراهنة بسبب الوحدة ، وترأسه للاجتماع التشاوري في القاهرة الأسبوع الماضي أيضاً بسبب الوحدة .. هذا إذاً ، علي ناصر الذي لطالما قال لعلي صالح لن أسلمك سلاح الوحدة مهما فعلت .
ما يميز علي ناصر عن غيره من القادة الجنوبيين على وجه التحديد تأكيده بأنه لم ولن يتنكر لتاريخه السياسي والحزبي ولم يقل يوماً أنا لم أكن في الجبهة القومية أو لا صلة لي بالحزب الاشتراكي أو لم أعرف شيئاً اسمه حركة القوميين العرب .. يقول لك باختصار: هذا تاريخ لا ننكره أخطأنا في بعض من المحطات وكنا على صواب في محطات أخرى .. يعيد ويكرر (هذا تاريخ) . يقول هذا عن تجربة لم تكن للإعلام فيها صولة وجولة كما هو حال اليوم ، وهنا يجعلك تستدعي تجربة علي صالح وسلطته التي شطبت صورة علي سالم البيض في ذكرى إعلان الوحدة 22 مايو وشطب اسمه من كتب التاريخ والوطنية في المدارس ، ويقول لك اليوم شيئاً وينفيه اليوم التالي ..ويعمل علي صالح هذا كله في ظل ثورة الاتصالات والميديا وتدفق المعلومات في عملية استخفاف بذيئة بعقول الناس التي ترى وتسمع وتقرأ ، ومثل هذا ممن لا يحترم التاريخ ولا الحاضر سيكون المستقبل له بالمرصاد وسيلعنه التاريخ بوضعه في أقرب مزابله ، وسيكون لقب "الرئيس" غلطة الماضي تكفّل الحاضر بتصحيحها ، وهذا ما تسعى إلى تحقيقه الثورة الشبابية اليمنية الراهنة والظافرة ، مهما فعل المشاركون في تلك الغلطة الماضية واللعنة السابقة ، ومهما تطوعوا لإنقاذه من مصير محتوم .
تبدو كلمة الأسبق أو السابق بالنسبة للرئيس علي ناصر مقحمة على وظيفته من حيثية لم يلتفت إليها أحد ، هو نفسه لا يتعامل معها بالنفي ولكنه في المقابل لا يثبتها على الإطلاق ، فمكتبه الإعلامي لا يذيل بياناته باسم الرئيس السابق أو الأسبق بل يكتفي بالرئيس علي ناصر محمد ، وهنا يذكرنا بأنه خرج من اليمن الجنوبي وهو يحمل صفة الرئيس وبقي في اليمن الشمالي محتفظاً بصفة الرئيس الشرعي لليمن الجنوبي وعندما خرج من اليمن الشمالي إلى دمشق بعد اتفاق صالح والبيض على الوحدة وافق على الخروج من أجل الوحدة ولم يحدث بأن صرح بأنه لم يعد رئيساً شرعياً حتى اللحظة ، وبالرغم من محاولات وعرض صديقه منجستو للعودة إلى عدن بالقوة وبدعم عسكري خارجي إثر أحداث 86م رفض العروض كلها واعتبر بأن (المصالحة) هدف الشرعيين و (الحرب) سبيل الذين لا يمتلكون شرعية .. ولعل كل هذه المعطيات وثيقة الصلة بمصطلح " القيادة التاريخية" التي يحلو لبعضهم إطلاقها للرئيس علي ناصر بصورة خاصة.
كما إن ذلك يفسر أيضاً رفضه للاستقطاب الحاد الذي حدث إبان أزمة 93م وماقبل حرب صيف 94م حينما حضر إلى عمّان الأردن في مراسم توقيع وثيقة العهد والاتفاق ورفضه طلباً صريحاً من علي صالح بأن يعود نائباً له في صنعاء وطلباً آخرا من علي سالم بأن يعود نائباً له في عدن .. كان علي ناصر أكثر من حضروا دراية بأن الرجلين قدما ليوقعا على بدء الحرب لا بدء الحل .
رفض الطلبين واحتفظ بمنصبه رئيساً شرعياً ، الأمر ذاته رفضه عندما أجمعت المعارضة على ترشيحه للانتخابات لمنافسة صالح في انتخابات 2006م ، لأنه يعلم بأنها ستكون مزورة سلفاً ولا توجد معايير تحكمها ، وكان صالح نفسه قد فشل في جرجرة الرئيس الشرعي علي ناصر إلى منافسته شكلياً في الانتخابات الديكورية المزورة التي سبقتها ، رفضها ناصر ، فبحث لها علي صالح عن وجه جنوبي وآلت إلى نجيب قحطان الشعبي العام 99م ، فكيف يستقيم الأمر أن ينافس رئيس لم يتخلّ بعد عن صفته الشرعية كعلي ناصر رئيساً يبحث عن الشرعية كعلي صالح ؟!.

سأختم هذه الحلقة بمقطع نثري جميل لا يخلو من لمسات الشعر والأدب من كتاب المهندسة ريم عبد الغني بعنوان ( وهج روح ) :
" أنا لا أتكلم عن أنبياء أو قديسين ، إنما عن بشر عاديين مثلنا ، لم أعرف منهم الكثير للأسف ، لكن القليلين الذين عرفتهم ( كباراً ) أثروا بي كثيراً ، فالحياة قربهم تعلمك كيف تهذب انفعالاتك ، وتسمو برؤيتك ، والتعامل معهم يشعرك بالأمان ، فكبير النفس يحتوي الآخرين ، ويقدر عطاءاتهم ، لا يخشى أن تطول قاماتهم بجوار قامته العملاقة ، ولا يستغل لحظات ضعفهم ، ولا يتخلى عنهم عند الحاجة ، فيُسامح مهما أوذي ، ولا ينحدر أبداً إلى انتقام " .

في الحلقة المقبلة :
محاكمة علي ناصر محمد ! .
هل يكمل الرئيس الشرعي مسيرة التصالح والتسامح ؟
لماذا لم يصدر الرئيس علي ناصر مذكراته حتى الآن ؟
اللقاء التشاوري الجنوبي في القاهرة بزعامة ناصر والعطاس !.


eskandarsh@yahoo.com
عن صحيفة اليقين الأسبوعية

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق