شبكة الطيف - جهاد جميل حسن تحدث "العبدلي" في حلقة العدد الماضي، كيف تعامل الرئيس "علي سالم البيض" مع معطيات الأزمة السياسية، ومواقف "علي عبدالله صالح" المتصلبة إزائها، ورفضه لكل المخارج والحلول التي كان من شأنها انفراج الأزمة وحلها،
وعن بداية اندلاع شرارة الحرب التي خطط لها نظام صنعاء وسعى إلـى تفجيرها، بعد قيام لواء "العمالقة" التابع له بالانتشار فـي محافظة "أبين" والاعتداء على إحدى الوحدات العسكرية الجنوبية، وذلك عقب توقيع الطرفين على اتفاقيـة "العهد والاتفاق" في العاصمة الأردنية، وكيف بذلا الشيخين "سنان أبو لحوم" و "مجاهد أبو شوارب" جهوداً مخلصة في احتواء التصعيد العسكري على الجنوب من قبل نظام صنعاء.
وفي هذه الحلقة يوضح "العبدلي" كيف واجه الجنوبيون آلة الحرب المدمرة، التي شنها وفرضها عليهم نظام صنعـاء، وكيف تعاطف الأشقـاء الخليجيون مع "الجنوبيين" الذين لاجئو إليهـم، بعد اجتياح قوات صنعاء حدود الأراضي الجنوبية، أثناء الحرب المشئومة عام 1994م.
اغتيال مشروع الوحدة السلمية
يقـول "العبدلي".. عقـب توقيـع اتفاقيـة "العهـد والاتفاق" وقيـام لواء "العمالقة" التابع لنظام صنعاء بالانتشار في "أبيـن" والاعتداء على إحدى الوحدات العسكرية الجنوبية، أجرى "البيض" سلسلة لقاءات متواصلة مع كل الأطراف والأحزاب السياسية والشخصيات والوجاهات الاجتماعية، التي حرص من خلالها إلى منع الكارثة وتفادي السقوط في مستنقع الحرب، بعد أن كان نظام "الجمهورية العربية اليمنية" كما يعرفه الجميع، قد رسم المخطط وحسم أمره على تفجيرها، بعد أن استنفذ كل وسائل التحرشات والمضايقات والاغتيالات التي استهدفت الكثير من القيادات والشخصيات والكوادر الجنوبية.
وفي الحقيقة لم يكن الجنوب مستعداً للحرب إطلاقاً، وأتذكر أنه قبيل اندلاع الحرب، التقى "البيض" ببعض القادة العسكريين الجنوبيين، وقال لهم.. تعرفـون مدى استعداد نظام صنعاء لاجتياح الجنوب، لكن أحد القـادة العسكريين قاطعه قائلاً: "كنا نطالبكم من زمان "يا رئيس" بأن تلتفتوا إلينا وتمدونا بالسلاح وتجندوا الرجال، ولكنكم تجاهلتمونا طوال تلكم الفترة"، ورد "البيض" عليه: كُنـا لا نريد أن نترك لـ "علي عبدالله صالح" ذرائع وحجج بأننا دعاة حرب، غير أن أحد الضباط الجنوبيين أكد حينها "للبيض" بأن الجاهـزية القتالية لقواتنا المسلحة الجنوبية لا تزيد عن 40%!!.
عموماً.. عندما حلت الكارثة وأقـدم نظام صنعاء وشركائه من القبائل والموالين له، بشن حربهم الشعواء ضد الجنـوب وأهله، دفع بالرئيس "البيض" التعامل مع هذا التصعيد بسياسة الأمر الواقع الذي فرض عليه لمواجهته، وأتذكر لحظتها، أنه وبعد عشرة أيام من اندلاع المعارك، اجتمع "البيض" بالمكتب السياسي في العاصمة عدن، وأقر توزيع المهام على أعضاء المكتب السياسي لمتابعة ومواجهة تطورات الوضع، والإشراف على المناطق التي كانت تدور بداخلها الحرب، وقـد كلف حينها "البيض" بالإشراف على محافظتي حضرموت وشبوة.
"الحريوة" التي سلموها
وأود التنويه هنا وبكل أمانة وصدق، بأننا كنا نعيش في صنعاء بعـد الوحـدة، وخصوصاً خلال مرحلة الأزمة السياسية في ظروف بالغة الصعوبة، لاسيما في جوانب مهمة للإنسان، حيث لم يتم توفير لنا كجنوبيين أبسط قواعد الحياة الكريمة، وكنا نلتمس بأن نظام صنعاء لا يفهم معنى الوحدة ولا يحرص عليها، بخلاف حرصنا عليها، بل دأب يمارس أساليب مستفزة تحاول النيل من كرامة كل جنوبي، وهي أساليب لا يمكن القبول بها، ناهيكم عن تسكيننا في منازل إيجار، وحين بدأت الأزمة السياسية تتوالى تداعياتها، كان المؤجرون الشماليون يمارسون علينا وسائل الابتزاز والاستفزاز، وبطريقة يمكن تسميتها بالاصطفاف غير المسبوق والممنهج ضد المواطنين الجنوبيين.
وبلغت ذروة تلكم الاستفزازات حين تم التقطع لسيارة أولاد "البيض" في صنعاء، أثناء طريقهم إلى المدرسة الخاصة في مبنى جامعة صنعاء الجديدة، على الرغم من معرفة الأمـن بأن السيارة التي أوقفوها، تتبع نائب رئيس الجمهورية، لكنهم عمدوا إلى إيقافها بالقوة وتمزيق "ورق العاكس" من على زجاجاتها، بحجة أن اللاصق الزجاجي ممنوع تركيبه، وفق قرار رئيس الوزراء المهندس "حيدر أبو بكر العطاس" وهـو القرار الذي كان قد أصدره عقب الوحدة مباشرة، واستثني تطبيقه على سيارات الرئيس ونائبه ورئيس الوزراء، ووزيرا الدفاع والداخلية، لكن كان الهدف من ذلك السلوك هو استفزاز "البيض" وكل جنوبي حر، وهي رسالة واضحة أرادت عناصر الأمن المركزي إيصالها "للبيض" عبر أطفاله، وبمثابة سلوك عدواني لا يخدم الوحدة، بقـدر ما تهدف دلالاته إلى تعكير صفو الأمن والاستقرار لدى الجنوبيين في الشمال.
وأتذكر أيضاً أن هناك حواراً دار بين أحد الأصدقاء مع أحد الشماليين في صنعاء، وتحدث ذلك الصديق معاتباً موقف الشمالي المؤيد لشن حرب ضروس ضد القيادة الجنوبية، فكان جواب الشمالي صاعقاً، حين رد "وصلتم الحريـوة وتريدون تنشطرون" والمقصود بــ "الحريوة" أي العروسة، أي بمعنى إننا قمنا بتسليم الجنوب كعروسة، ونريد فصلها الآن، فرديت عليه: "وهل مطالبنا بقيام دولة نظام وقانون ومواطنة متساوية، وغيرها من المطالب التي تخدم الوطن والمواطن، وتسمح للجميع أن ينعموا تحت ظلها بخير وأمان، تعتبر خطاءً"، وكان جوابه مستهزئاً على كلامي: "أنت من يافـع وقبيلي وإيش عـاد طرحت للقبيلة ورجالها"، للأسف أقـول، كانت هذه نماذج من العقليات القاصرة في الشمال، حيال دولة الجنوب بعد أن تحققت الوحدة.
مواقف الأشقاء الخليجيين حيال الجنوبيين
بعد 70 يوماً مـن عمر الحرب التي أفضت تداعياتها المشئومة إلى اجتياح الجنوب برمته، من قبل الجيش الشمالي وحلفائه من القبائل، غادرنا إلى الشقيقة "سلطنة عمان" واستقبلنا الأشقاء هناك بكل حفاوة وتقدير ومحبة، ومكثنا في ضيافتهم نحو أكثر من شهر، قبل أن نغادر إلى الشقيقة "الإمارات العربية المتحدة" التي استقبلت عـدداً كبيراً من الجنوبيين وأسكنتهم في مجمع "بني يأس" وهو مجمع شيدته الإمارات للأشقاء الكويتيين الذين طردهم وشردهم من أرضهم نظام "صدام حسين" حين أقـدم بفعلته الشنعاء عام 1990م، على احتلال أراضي دولة الكويت خلال حرب الخليج الثانية، "وما أشبه الليلة بالبارحة" حين سلك نظام صنعاء ذات المسلك بلجوئه إلى حسم الأمور بالقوة وبنفس الطريقة العنيفة التي مارسها النظام العراقي حيال شعب الكويت، وأعتقد بأن الجنوبيين حين يطردون من أرضهم قسراً، سوف يتلاشون وينتهون كالهنود الأحمر، لكنه دون أن يعلم صدق المقولة التي تقول "ما يضيع حق وبعده مطالب".
وحين غادرنا إلى دولة الإمارات الشقيقة، استقبلنا الأشقاء أيضاً بكل حفاوة وترحاب، وهو موقف يجعلنا الآن نسجل كل شكرنا وتقديرنا لهم، لأنهم لم يبخلوا معنا طيلة فترة ضيافتنا عندهم، ووفروا لنا السكن والغذاء وبعض الخدمات والمتطلبات الأخرى، بالإضافة إلى تضامنهم مع قضيتنا، وتعاطفهم مع حقنا المسلوب.
انقطاع اتصالاتنا مع "البيض"
منذ مغادرتنا ولجوؤنا في أول مرة إلى "سلطنة عمان" وبعدها إلى دولة "الإمارات" انقطعت اتصالاتنا بالرئيس "علي سالم البيض" ولم يعد هو يتواصل معنا، ربما لأنه شعر بالإحباط واليأس، وشعر بأن معظم الذين كانوا يدقون له صدورهم قد خذلوه، لهذا كنا أنا وزملائي في بلاد المهجر نلتمس له العذر، ولكن الشيء الذي كان يحز في نفوسنا، بأننا قمنا بإجراء عدة اتصالات مع قيادات جنوبية أخرى، شرحنا لهم بعض الصعوبات التي بدأنا نواجهها، ومن إشكالية عدم اعتمادنا من ضمن كشوفات الذين كانوا يتحصلون على مساعدات مادية تعينهم على مواجهة متطلبات الغربة ومتاعبها، ناهيك عـن ظروفنا الخاصة في الخارج ومسؤوليتنا تجاه أسرنا بالداخل، والتي جعلت البعض منا يعود مضطراً تحت ضغط الظروف المادية الصعبة التي كنا نعيشها بالخارج، وبسببها جعلت معظمنا يعيش "عالة" على المغتربين من أهلنا هناك.
وعندما قدم لنا الأشقاء في دولة "الإمارات" مبلغ مالية، غادرنا إلى "القاهرة" وتمكنا من التواصل مع قيادات جنوبية بارزة، وقلنا لهم بأننا لم نستلم المساعدات المقررة لنا، كبقية "المشردين" اللاجئين من أبناء الجنوب في بعض دول الأشقاء، وتحصلنا على وعد منهم بأنه سيتم النظر في أوضاعنا، ولكن للأسف شارف عام 1995م على الانتهاء، ولم يتم اعتمادنا ضمن قوائم اللاجئين، ولا نعلم إن كان هناك شخص غيرنا كان يستلمها بدلاً عنا، مع أن هـذا الأمر جائز، ولكننا لا نستطيع أن نتهم أحـداً، وستظل حقوقنا أمانة في أعناقهم، لأننا تحملنا على كواهلنا الكثير من الديون لبعض من تعاطفوا معنا وأحسنوا إلينا خلال فترة غربتنا بالخارج.
استعادة "الجنوب" هدفنا الوحيد
وللأسف.. وأقولها بكل حزن ومرارة، لقد عشنا في بعد الوحدة في ضنك العيش والفقر، ونحن كنا نتعشم منها الخير للجميع، وحين غادرنا صنعاء كنا غارقين بالديون بعد طردنا من أعمالنا، بخلاف القادمون إلى عدن، الذين نهبوا كل شيء، وباتوا يعيشون اليوم في ثراء فاحش، وأصبح ما يمكن وصفهم بالمحتلين والغزاة الذي شنوا الحرب على الجنوب، ودمروا الوحدة السلمية الحقيقية وقضوا عليها في المهد قبل أن ترى النور، واستولوا على مساكن وملكوها لأنفسهم بعد الوحدة والحرب، وأصبحوا بفضل سياسة النهب والفيد التي انتهجوها حيال ثروات وممتلكات الجنوب، بعـد حرب 1994م من الأثرياء والسلاطين، ولم يكتفوا بذلك بل أذاقوا أخواننا في الجنوب مرارة الذل والمهانة، وشردوا من شردوا، وبقى تحت رحمتهم من بقى، ومارسوا وسائل الإقصاء والطرد القسري بحق الآلاف من الجنوبيين الذين استبعدوهم من وظائفهم، وجرعوهم حجم القهر والذل والغبن، بل وتمادوا في القضاء على كل ما كان يحلم به الجنوبيون من تحقيق مشروع دولة حديثة تلحق بركب الدول المتحضرة التي تضع في نصب اهتماماتها التنمية والتعليم والصحة والمستقبل والعدالة والحرية والمواطنة المتساوية.
لهذا فإنني أنظر بأنه من حق الجنوبيين اليوم بأن يناضلوا ويتمسكوا بخيارهم على استعادة وطنهم المسلوب "الجنوب" ذلكم الحلم الذي سيبقى حياً في نظر كل جنوبي حر، بعد أن كانت الوحدة أمامه بالأمس حلمه الكبير، وحولها نظام صنعاء إلى كابوس دمر وشوه فيها كل المعاني الجميلة، وقتلها في نظرنا تماماً، ولم يترك أمامنا خياراً آخراً سوى الحصول على أرضنا ودولتنا، بنفس الطريقة السلمية التي دخلنا بها الوحدة قبل أن يغدر بنا. البقية العدد القادم....
|
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق